الخميس، نوفمبر 04، 2010

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر

د. محمد بسام يوسف*

mbyousof@hotmail.com

كلمات عظيمة، وآية شريفة، نزلت من فوق سبع سماوات، لتعلنَ البشرى لأشرف خَلْقِ الله عزّ وجلّ.. وتؤكِّد النذير والتحذير، لمبغضيه، ولأعداء الدِّين الذي بلَّغَه –عليه الصلاة والسلام- بالحق..

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر، حروف من نور، توعّدت كلَّ معتدٍ أثيم، يتعرّض للعاملين في سبيل الله وحده عزّ وجلّ.. بالسوء والأذى، ثم يتنطّع مُفَلسِفاً كلَّ عدوان، مبرِّراً كل تصرّفٍ يقترفه بحق المؤمنين الصابرين..

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر، نزلت في المتطاولين المتكبِّرين، الذين يحتكرون الرأي والحقيقة، ويجادلون بغير علمٍ ولا كتابٍ منير، متسلِّحين بنـزواتهم وكِبْرِهم وسَطوة القوة –بمختلف أشكالها- التي بين أيديهم..

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر، وَعْدٌ ووعيد، لكل مُفْتَرٍ يشوِّه الحقيقة، ليُثبتَ باطلَه، وقد أخذته العزّة بالإثم، فاشتطّ واعتدى، وتجاوز الأصولَ البشرية للتعامل بين الناس والمجتمعات والأمم..

* * *

صلوات الله وسلامه عليك يا حبيبنا يا رسول الله.. قالوا عنك: مجنون، فدفع الله عزّ وجلّ عنك افتراءهم بالقول القاطع: (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) (التكوير:22).. وقالوا عنك: شاعر، فتصدّى لهم إله السماوات والأرضين جلّ جلاله: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ) (الحاقة:41).. وهكذا حالُ الذين آمنوا، يدافع الله عزّ وجلّ عنهم في حُلُكات الليل والنهار، التي يصنعها وينشط في سراديبها وأجهزتها المبطِلون: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) (الحج:38).

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر، حروفٌ من وعيد، تَوَعّد الله الجبّار المنتقم بها كل منتهِكٍ لحُرُمات الدعاة المؤمنين ودعوتهم.. على مرّ الأزمنة والتاريخ البشريّ، إلى أن يرثَ عزّ وجلّ الأرضَ ومَن عليها. فلينظر الذين يحاربون الدعوةَ الإسلاميةَ وأبناءها، بأقلامهم وألسنتهم، لينظروا كيف أمرهم المصطفى صلوات الله وسلامه عليه بأمره الحازم: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ) (رواه الترمذي).

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر، إذ يشمل اللهُ عزّ وجلّ في دفعه الأذى، المؤمنينَ الذين يثبتون ولا يتراجعون أمام الشدّة والمعاناة، وأمام ظلم الظالمين، إنهم يقولون: الله معنا، وهو ناصرنا ومؤيّدنا، وهو الذي يكفينا أعداءنا والمتكبِّرين، وما علينا إلا أن نثبُتَ، ونصبرَ، ونعملَ، لأنّ الدعوة لا تكون إلا لله وحده لا شريك له، مهما تكاثر المتسلِّطون: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (النور:15).. فشعار المؤمنين في كل الظروف: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل).

* * *

فيا أيها الصابرون الماضون في طريق الله، الثابتون على الحقّ أبداً لا تتزحزحون..

أيها الليوث الذين تَشُقّون دربَ الحرية، وتجترحون النورَ من دُجى الظُلُمَات..

يا مَن تقفون وِقفة العِزّ شامخين بوجه الظلم والطغيان، تحملون إسلامَكم في أفئدتكم، وقرآنَكُم في قلوبكم، ونَارَكُم في صدوركم..

أيها القابِضونَ على الجمر، صقوراً جاثمةً على صدور شياطين الإنس والجنّ وأعوانهم..

اعلموا أنّ قَوْلَ العزيز الحكيم: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر، تُـجَلجِل في فضاءات الكون، لتلتحم مع قوله عزّ وجلّ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد:31)..

فلينظر كل امرئٍ على أي جَنبٍ سيَلْقَى وجهَ القويّ العزيز الجبّار، الذي يعلم السرّ وأخفى، ولا يَـخفى عليه أمر في الأرض ولا في السماء.

(قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر:10).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق