الاثنين، نوفمبر 08، 2010

عودة جزيرة العرب مروجا وأنها را


روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مرو  جا وأنها  را". » : عليه وسلم
الحالة الراهنة لشبه الجزيرة العربية:
وأرض العرب المقصودة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم هي شبه الجزيرة العربية ، التي تقع ضمن
٣٠ شمالي خط الاستواء وجنوبه. ، حزام الصحراء الممتد بين خطي عرض ١٥
والرطوبة النادرة والجفاف الشديد هما أبرز السمات المميزة للمناطق الصحراوية بصفة عامة ، فقد تشهد بعض
الجهات الداخلية وخاصة الربع الخالي في شبه الجزيرة العربية سنوات بطولها دون أن تتلقى قطرة مطر واحدة
ص ١٢،١٣ .)، وهذا بدوره يكون له أثر على « جغرافية الصحارى العربية » (دكتور صلاح الدين بحيري
الغطاء النباتي والزراعي ، حيث ينتشر اللون الأصفر لون الرمال القاسية الملتهبة ولا يستثنى من ذلك إلا
بعض المناطق الساحلية التي تسقط عليها بعض الأمطار، والواحات المتناثرة بالقرب من الآبار والعيون.
وقد وصف المولى عز وجل بعض أرض العرب وصحرائه ا، حين قال في كتابه الكريم على لسان سيدنا
إبراهيم عليه السلام : {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم } (إبراهيم: ٣٧ ) وهو
وصف يدل على حالة الجدب والقفر والجفاف الذي تعيشه شبه الجزيرة العربية منذ عهد إبراهيم الخليل -عليه
السلام.
فإذا كانت هذه هي السمات العامة لمعظم أراضي شبه الجزيرة العربية ، فكيف يقول النبي صلى الله عليه
وسلم إنها ستصبح أرض مراع وأنهار في آخر الزمان؟ ! لاشك أن معنى الحديث غريب وعجيب ، يصعب
على العقل فهمه أو تفسيره.
والمعنى الظاهر للحديث : أن صحراء شبه الجزيرة العربية ستغطيها المروج أي المراعي والأنهار ، في
يدل على أنها كانت كذلك في وقت سابق ، وأنها ستعود إلى « حتى تعود » : آخر الزمان قبل قيام الساعة ، وقوله
هذه الخريطة مستوحاة من
الخريطة التي وضعها الفلكي
وعالم الرياضيات اليوناني
بطليموس للجزيرة العربية في
القرن الثاني قبل الميلاد (المصدر:
( مجلة الثقافة العالمية العدد ٦٥
صفحة ١ من ١١ عودة جزيرة العرب مرو  جا وأنها  را
حالتها الأولى، وأن طبيعتها الصحراوية الجافة هي حالة طارئة عليها..
فالحديث في الواقع يتضمن حقيقة ونبوءة وإعجازا خبريا وآخر علميًا.
فالحقيقة : أن شبه الجزيرة العربية كانت في الماضي أرضا ذات مراع وأنهار ، ثم طرأت عليها الحالة
الصحراوية الراهنة..
والمعجزة الإخبارية : أن الأنهار والمسطحات الخضراء ستعود ثانية إلى شبه الجزيرة العربية في آخر الزمان
قبل قيام الساعة..
وقد استغرق هذا الحديث أربعة عشر قرنا من الزمان لكي يفهم على هذا الوجه الصحيح ، حدث ذلك بعد التقدم
الهائل في علوم الجيولوجيا والتاريخ المناخي والفلك وغيره ا، وبعد العديد من أعمال الحفر والتنقيب بصحراء
شبه الجزيرة العربية ، والتي تثبت لغير المسلمين بما لا يدع مجالا للشك صدق النبي صلى الله عليه
وسلم والإعجاز العلمي في هذا الحديث ، وسنعرض لهذه الحقيقة العلمية التاريخية والأبحاث والاكتشا فات
التي تؤكده ا، كما سنعرض الدلالات العلمية التي تقيم الحجة والبينة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم على
 من علم هذا وعرفه.
الحقيقة العلمية: شبه الجزيرة العربية في الماضي "أرض ذات مراع وأنهار"
تؤكد المكتشفات العلمية الحديثة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المعجز ، من أن شبه
الجزيرة العربية لم تكن صحراء بالمعنى المتعارف عليه حالي ا، بل كانت أرضا خضراء تتدفق فيها الأنهار ،
وتترقرق في بعض نواحيها البحيرات الواسعة ، وتنهض في ما أصبح بادية بعد ذلك مدن على حظ كبير من
التقدم الزراعي والحرفي.
شبه الجزيرة العربية في الماضي
الحقبة البليستوسينية كما يقول علماء الجيولوجي ا » كان ذلك في مرحلة متقدمة من حقبة جيولوجية ُتعرف باسم
( يقسم العلماء التاريخ الجيولوجي للأرض إلى أزمنة ، وفقا للخصائص العامة للحياة في كل زمن ، وينقسم كل
زمن إلى عصور تبعا لأنواع وأشكال الحياة التي وجدت فيه ، والتي تعرف من الحفريات التي ترسبت في
والتي بدأت قبل أكثر من مليون سنة ، وانتهت منذ «pleistocenc» ( طبقات الصخور التابعة لذلك العصر
عشرة آلاف سنة خلت ، وخلال هذه الحقبة من الزمن ساد الأرض مناخ بارد وغطت الكتل والمسطحات
الجليدية الضخمة الأجزاء الشمالية من أوروبا وأمريكا الشمالية حتى وصل الجليد إلى شمال فرنسا فيما
إلا أن الجليد كان يذوب خلال الفترات الأدفأ والتي عرفت باسم «Glacials» أطلق عليه العصور الجليدية
فتحسن الأحوال المناخية تسحنا كبير ا(نورمان ويلن ودافيد بيز «Interglacials الفترات بين الجليدية »
Aramco World,) مجلة الثقافة العالمية، عدد ٥٩ نقلا عن مجلة « أوائل البشر في شبه الجزيرة العربية »
.(.(August 1992
وكان انتشار المسطحات الجليدية في الأجزاء الشمالية أثناء العصور الجليدية يؤثر في مناخ الأرض
فيؤدي إلى زحزحة نطاق المطر إلى الجنوب ، فتدخل شبه الجزيرة العربية والصحراء الكبرى بشمال إفريقيا
في نطاق الرياح الغربية الممطر ة، والتي تهب الآن على غرب أوروبا فيؤدي ذلك إلى أزدهار ت لك
:« الجغرافيا التاريخية الطبيعية » الصحراوات وامتلائها بالأنهار والوديان الخصبة (دكتور إبراهيم أحمد رزقانة
ص ١٤٦ بتصرف)
صفحة ٢ من ١١ عودة جزيرة العرب مرو  جا وأنها  را
وفي فترات الدفء بين العصور الجليدية تتحرك ُن ُ طقْ الأمطار إلى الشمال فتصبح شبه الجزيرة العربية وشمال
إفريقيا ضمن نطاق الرياح التجارية ويسودها مناخ مشابه لمناخها اليوم (تحتل الصحارى العربية الجزء الأكبر
وهو نظام يتسم بالجفاف Trade Wind Deserts « صحارى الرياح التجارية » من نظام كوكبي يعرف ب
الدائم.. فالقطاع الفعال من التوبوسفير ، مابين ٢ ٦ كيلومترات فوق سطح البحر وهو القطاع الفعال فيما
يتعلق بنشأة الاضطرابات الجوية يشغله حزام متصل من الضغط المرتفع الدائم على مدار السنة ، فوق أرض
الصحراء والمسطحات المائية على السواء ، وكما هو معروف ، تقترن حالات الجفاف بصفة عامة بظروف
الضغط المرتفع .. وعلى هذا فالصحراء الكبرى والصحراء العربية بوقوعها ضمن نطاق التجاريات تصنف
جغرافية » كصحارى مناخية ، أي كنتيجة مباشرة لميكانيكا الدورة الكوكبية العامة حول الأرض . بتصرف من
.(١٤٧،١٤٩ « الصحارى العربية
واستنادا إلى أبحاث الجيولوجي الأمريكي هال ماكلور في رسالة دكتوراة عن الربع الخالي فإن البحيرات
كانت تغطي هذه المنطقة الصحراوية خلال العصور المطيرة (العصور الجليدية ) وأنها ظهرت مرتين ، الأولى
:( قبل ٣٧٠٠٠ إلى ١٧٠٠٠ سنة، والثانية بين ١٠٠٠٠ إلى ٥٠٠٠ سنة خلت (مجلة آفاق علمية ، عدد ( ٤٢
.( ص ١٥
البعثات الجيولوجية:
هذه الصورة الزاهية لشبه الجزيرة العربية ، بأنهارها الرقراقة ، وأشجارها الوارفة ، والتي كانت شائعة في
الأدبيات التراثية (نبه التراث الأدبي واللغوي العربي إلى ما شهدته شبه الجزيرة العربية من تغيرات مناخية ..
فإذا تتبعت أسماء الحيوان عند العرب هالتك تلك الأسماء العديدة لحيوان واحد كالأسد مثلا ، وهذا يؤكد أن تلك
الأسماء قد تعددت بحكم تكاثر ذلك الحيوان وتواجده بينهم في الأزمنة الغابرة.. وكذلك الأنهار وتعدد أسمائها..
إنه لا يخفى على أهل المعارف بأن بلاد نجد كانت من أخصب بلاد العرب ، » : وجاء في تغريبة بني هلال
كثيرة المياه والغدران والسهول والوديان ، حتى كان يذكرها شعراء الزمان بالأشعار الحسان ، وتفضلها على
غيرها نظرا لحسن هوائه ا، وكانت منازل بني هلال من سالف الأجيال وما زالت على رونقها الأول ،
حتى تغير قطره ا، واضمحل عنها الحشيش والنبات ، وعمت المجاعة جميع الجهات ، ولم يعد فيها شيء من
تطور مناخ السعودية وأثره على هجرات البشرية ) مجلة ) «... المأكولات حتى صارت أهاليها تأكل الحيوانات
الخفجي، عدد سبتمبر ١٩٨٠ ، ص ٢٥ )، أصبحت حقيقة علمية الآن بفضل البعثات الجيولوجية الباحثة عن
بصمات تلك الأزمنة الغابرة في قلب رمالها.
ومن أكبر هذه البعثات بعثة جيولوجية بقيادة بيتروايبرو من المتحف البريطاني ، والتي توجهت إلى دولة
الإمارات في أوائل عام ١٩٨٩ ، واكتشفت بقايا للحياة الحيوانية تعود إلى أواخر عصر الميوسين ، أي إلى
حوالي ٧ ملايين سنة.
والحيوانات التي عثر بيتروايبرو وزملاؤه على بقاياها حيوانات من رتبة البهيميات (وهي خرطوميات ثديية
تعتبر من الأقارب البعيدة للفيلة المعاصر ة) وأفراس النهر ، وآكلات اللحوم الصغير ة، والجياد، ووحيدي القرن ،
صفحة ٣ من ١١ عودة جزيرة العرب مرو  جا وأنها  را
والسلاحف والتماسيح والأسماك والطيور ، وقرود تشبه الماكاك .. وواضح أن كل هذه الحيوانات من أصول
حبشية.. ففي حقبة الميوسين كان البحر الأحمر مفتوحا على البحر المتوسط ، ولكنه كان مغلقا من جنوبه بجسر
بري قائم بين الحبشة واليمن ، وفي الشرق كانت شبكة نهري دجلة والفرات تمتد إلى الجنوب أكثر مما هي
عليه اليوم ، وتشير أنواع الحيوانات التي عثر عليها إلى أنها قد ازدهرت في دلتا هذه الشبكة (مجلة آفاق علمية ،
١٩٨٩ م ). /٤/ عدد ٢٧ «Nature نيتشر » عدد (المرجع السابق، ص: ٦٣ )، ص ١٤ نقلا عن مجلة
التصوير الفضائي:
ومع التقدم الهائل في علوم الفضاء والاستشعار عن بعد ، دخلت هي الأخرى حلبة السباق في البحث والكشف
عن الكنوز المدفونة في باطن الأرض، مثل الآثار والمياه الجوفية والمعادن وغيرها.
وتستطيع تكنولوجيا التصوير الفضائي والاستشعار عن بعد ، إعطاء علماء الآثار فكرة عامة عن الأماكن التي
. عليهم أن ينقبوا فيها، وهذا ما حدث في أحد أشهر الأبحاث التي أجريت في صحراء مصر عام ١٩٨١
ففي مختبر المسح الأثري الأمريكي بولاية أريزونا الأمريكية ، بينما كان الباحثون يحللون جداول معطيات
أظهرت صور الرادار وجود منطقة تحت ،« كولومبيا » جمعتها أجهزة الرادار المركبة على متن مكوك الفضاء
رمال صحراء جنوب مصر ، وشمال غرب السودان ، لا تهطل فيها الأمطار الآن إلا بمعدل مرة كل خمسين
سنة، ولكنها تحتوي على مجاري أنهار قديمة كبير ة، بعضها أوسع من نهر النيل نفسه (يرى علماء التاريخ
الطبيعي والجغرافيا التاريخية أن أنظمة نهرية تجمعت وتكونت في عصر الأوليجوسين الجيولوجي ، وكونتا
أو الأورنيل (جد النيل ) وكان يخترق الصحراء الغربية وينتهي « النهر الليبي القديم » نهرا كبيرا أطلق عليه اسم
بدلتا كبيرة في المنطقة الواقعة بين منخفض الفيوم جنوبا ووادي النطرون شمالا ، وتحتوي الرواسب النهرية في
هذه المنطقة على بقايا كائنات من النوع الذي يعيش في الماء العذب ، مثل التماسيح وأفراس النهر بالإضافة إلى
« مورفولوجية الأراضي المصرية » الفيلة، وتعتبر منطقة الفيوم الموطن الأصلي للفيل في العالم . (بتصرف من
!( ٥١ ، للدكتور محمد صفي الدين، ص: ٥٠
بعد ذلك بعدة أشهر أثبتت البعثات التي توجهت إلى المنطقة أن أشعة الرادار كانت قد اخترقت الرمال الجافة
وانعكست على الأحجار الكلسية الموجودة في قيعان الأنهار (الجافة) على عمق مترين من سطح الأرض ،
ووجد المنقبون عند شطآن الأنهار التي حددها الرادار أصدافا لأنواع من الحلزون البري الذي لا يمكنه العيش
إلا في الأماكن الرطبة المبتلة وفي مناخ استوائي.
والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن المنقبين عثروا على ألوف من الأدوات التي صنعها الإنسان في الع صر
الحجري، كالفؤوس اليدوية وما شابه ذلك ، والتي يعود تاريخها إلى حوالي ٢٠٠ ألف سنة خلت ، وهذا ما جعل
،( العلماء يعتقدون بأن تلك الصحراء كانت رطبة ومأهولة في بعض تلك العصور (مجلة آفاق علمية ، عدد ( ١٧
.( ص ٣٢
وقد أجريت حديثا دراسة مشابهة لشبه الجزيرة العربية ، حيث أظهرت الصور الجوية وجود مجرى لنهر قديم
عملاق يخترق شبه الجزيرة العربية من الغرب ويتجه إلى الشرق ، ناحية الكويت ، ويختفي مجرى هذا النهر
تحت كميات هائلة من الكثبان الرملية ، وأوضحت الصور أي  ضا أن مساحة شاسعة من شمال غرب الكويت
عبارة عن دلتا لهذا النهر العملاق ، ويشير هذا الكشف كما ذكر الدكتور فاروق الباز (جريدة الشرق الأوسط ،
١٩٩٣ في تحقيق أجري مع الدكتور فاروق الباز ، عالم الجيولوجيا والفضاء المصري المقيم /٣/ عدد ٢٧
بأمريكا) إلى وجود كميات هائلة من المياه الجوفية في مسار النهر القديم وإلى احتمال وجود آثار للإنسان
القديم الذي لابد أنه عاش على جانبي النهر في العصور السحيقة عندما كان النهر يجري بالمياه قبل ٥٠٠٠
عام(لمزيد من المعلومات عن آثار الإنسان القديم التي عثر عليها حديثا في شبه الجزيرة العربية ، انظر :
صفحة ٤ من ١١ عودة جزيرة العرب مرو  جا وأنها  را
.(( مجلة الثقافة العالمية، عدد ( ٥٩ « أوائل البشر في شبه الجزيرة العربية » نورمان ويلن ودافيد بيز
المكتشفات الأثرية في شبه الجزيرة العربية:
وتدل التنقيبات الأثرية الحديثة على صحة هذه المعلومات ، خاصة بعد اكتشاف عدد من المواقع الأثرية هي
بقايا حضارات ومدنيات متقدمة، في مناطق هي الآن صحراء جافة!
وبعد إزاحة أكوام الرمال « حصن الغراب » ففي عام ١٨٣٤ م اكتشفت قلعة على مقربة من عدن ، تعرف ب
( عن أطلال هذه القلعة عثر على قطعة من الرخام وعليها نقش يقول:( ١
"لقد قضينا دهورا بين أفنية هذه القلعة في عيشة راضية لا يشوبها ضيق أو عسر ، وتحيط بنا مياه البحر في
حالة طغيان الم  د، وأنهارنا تفيض مندفعة غزير ة، وبين النخيل الباسقات كان حارسها يغرس الرطب الجني
على ضفاف الجداول المتعرجة الدافقة بالماء أو الجافة ، وكنا نصيد صيد البر بالحبال والغاب ، كما كنا نخرج
الأسماك من أعماق البحار ، وكنا نختال في مشيتن ا، رافلين في ملابسنا الحريرية الموشاة عند أطرافه ا، وثياب
سندسية خالصة ، وأردية ملونة بخطوط خضراء ، وكان الملوك الذين يحكموننا منزهين عن الدناء ة، أشداء على
أهل الخديعة والغدر ، وقد اختاروا لنا شريعة محكمة مستمدة من ديانة هود ، وكنا نؤمن بالمعجزات ، والبعث ،
ترجمة دكتور عبدالشافي غنيم عبدالقادر ، « التاريخ الجغرافي للقرآن » وإحياء الموتى ..( سيد مظفر الدين نادفي
.«( الجغرافيا التاريخية لبلاد العرب (Forster ص: ١٨٢ ١٨٣ ، نقلا عن كتاب المستشرق (فورستر
وهذا الحصن من بقايا حضارة عاد الثانية (عاد من أمم العرب العظيمة البائد ة، أسست أقدم مدينة عرفها العالم ،
وكانت القصور الشامخة والصروح العظيمة أكبر مظهر لتقدمهم ، قال تعالى : {ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم
ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد } (الفجر: ٦ ٨) وقد أرسل الله إليهم هودا عليه السلام فكذبوه
وكفروا به .. قال تعالى : {وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون قال الملأ
الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهه وإنا لنظنك من الكاذبين قال ياقوم ليس بي سفاهة ولكني رسول رب
العلمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين } (الأعراف: ٦٥ ٦٨ ) فأهلكهم الله بريح صرصر عاتيه
كما قال تعالى : {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم
فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية } (الحاقة: ٦ ٧) وهؤلاء هم عاد الأولى ، ونجى الله هودا والذين آمنوا
معه، قال تعالى : {ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ } (هود :
٥٨ ) وهؤلاء هم عاد الثانية )، وهو يصور مدى رغد العيش والسعة والتقدم الذي كانوا يعيشون فيه .. وواضح
أن هذه الصورة لا تكون في صحراء جافة.
وفي صفحات التاريخ ُتذكر العديد من المدن العربية التي ذاع صيته ا، وتناقل الرواة الحكايات عن تقدمها
،«Ubar أوبار » الحضاري، ونسجت حولها الأساطير والروايات ، ومن أشهر هذه المدن المدينة الأسطورية
ويعد الكشف عن أطلال وكنوز هذه المدينة إحدى المغامرات العلمية المثيرة الرائعة (أنظر مجلة الثقافة العالمية ،
.(( عدد ( ٦٥ ) ومجلة العلم والتكنولوجيا، عدد ( ٢٩
فوجود هذه المدينة وموقعها ظلا لغزا حير علماء الآثار لسنوات خلت ، وجعلهم أ سرى الشكوك والتكهنات
والافتراضات، فتوقعوا مواجهة صعوبات جمة في البحث عن ضالتهم المنشود ة، ولكن اليوم ، وبفضل تسخير
الله أحدث الوسائل التكنولوجية التي تميز بها عصرن ا، خصوصا التطور التقني الهائل في مجال تكنولوجيا
الفضاء، تمكن العلماء من تحديد موقع هذه المدينة ونفض الغبار عنه ا، مما جعل عملية الاكتشاف في حد ذاته ا،
سابقة لا مثيل لها في علم الآثار الحديث.
لغز المدينة المفقودة:
صفحة ٥ من ١١ عودة جزيرة العرب مرو  جا وأنها  را
من أقدم وأشهر مدن شبه الجزيرة العربية (ربما تكون مدينة أوبار كما يعتقد العديد من « أوبار » ومدينة
المذكورة في القرآن الكريم في قوله تعالى : {ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات « إرم » العلماء هي مدينة
العماد} ويصفها القرآن بأنه ا: {التي لم يخلق مثلها في البلاد } وتذكر كتب التفسير ، ومعاجم البلدان عن هذه
المدينة الكثير من الروايات ، تحوي مبالغات كثيرة عن عظم تلك المدينة وفخامتها (أنظر على سبيل المثال :
وهذا كله من » :٥٠٨/ الروض المعطار في خبر الأقطار : ص ٢٢ ٢٤ ) قال ابن كثير في تفسيره؛ ٤
ويبقى بعد استبعاد مبالغات الرواة وتهويل القصاص أنها مدينة عظيمة )، شيدها « خرافات الإسرائيليين
شداد بن عاد في صحرائها الجنوبية، وبذل النفيس والغالي في بنائها لتكون جنة في الأرض، إذا جاز التعبير..
عليه ا، « أطلنتيس الصحراء » وكان لورانس العرب أول من حلم بتحديد مكان المدينة المفقود ة، وأطلق اسم
ولكن توفي قبل أن يحقق حلمه ، ثم تبعه آخرون من الرحالة الذين انطلقوا في بعثات غير مثمرة عامي ١٩٤٧
الذي استند أثناء رحلته الاستكشافية «B.Thomas برترام توماس » و ١٩٥٣ ، ومنهم الرحالى البريطاني
ولكنه لم ينجح أبدا في العثور « أوبار » إلى كلام البدو الذين زودوه بعدد من الإرشادات لإيجاد الطريق إلى
عليها.
نيقولاس كلاب » وفي بداية الثمانينيات بدأ البحث الجدي عندما وقعت بين يدي صانع الأفلام الوثائقية الأمريكي
، وهو من جملة من شغفوا باكتشاف المدينة المذكرات التي كتبها توماس عام ١٩٣٢ «N.Clapp
وتضمنت سيرته ومجموعة تقارير علمية عن الآثار في شبه الجزيرة العربية ، وفيها يشير مدعوما بالأدلة
معلومات أكثر حول الموضوع من « كلاب » وبالإضافة إلى ذلك جمع ،« أوبار » إلى وجود طريق قديمة إلى
.« أوبار » مراجع ووثائق تضمنت أسماء ٦٠٠ مؤرخ وعالم جغرافي ورحالة أكدوا وجود
تأليف فريق بحث مهمته الانطلاق في بعثة لمدة ثلاثة أشهر لحل لغز « كلاب » نتيجة لهذا الجهد النظري قرر
المسؤول عن جمع المال والتبرعات «G.Hedges جورج هدجز » المدينة المفقود ة، وضم الفريق ، المحامي
جوريس » لتمويل البعثة وتنظيم أموره ا، وخبيرين في شؤون الجزيرة العربية ، هما عالم الآثار المعروف
الذي كان «R.Fiennes رانولف فينيس » الذي تولى تحليل المعلومات المتوفر ة، والسير «J.Zarins زارنز
ضمن الوحدات العسكرية البريطانية التي ساعدت الجيش العماني عام ١٩٦٨ ، وكان على درا ية كبيرة
بالمنطقة.
حصلت البعثة على دعم شخصي من السلطان قابوس الذي بدا مغتبطا جدا للأمر - ومن وزارة التراث
العمانية، التي تبنت الفكرة وقدمت للبعثة كل عون ورعاية ، وكذلك من بنك عمان الدولي ومن شركة نفط
عمان.
وردت في خريطة جغرافية قديمة وضعها الجغرافي « أوبار » والجدير بالذكر أن أقدم الإشارات الجغرافية إلى
وأشار إلى وجودها في منطقة تقع على مشارف الربع الخالي «C.Ptolamy كلوديوس بطليموس » السكندري
حاليا، وهي صحراء غير مطروقة واجتيازها محفوف بالمخاطر ، وكانت أول ز يارة للبعثة لهذه المنطقة
المحظورة عام ١٩٩٠ ، ولكنها ما لبثت أن غادرتها خوفا من الوقوع في المهالك.
بأنه بدأ « كلاب » أما عملية البحث الجدي فبدأت في نوفمبر عام ١٩٩١ ، وفي أوائل ١٩٩٢ - وبعد أن صرح
وكانت النتائج مشجعة ، خاصة بعد ،« ظفار » في « سشعر » يشعر بالفشل - جاء قرار البعثة بالتنقيب في منطقة
أن تم دعم عملية الحفر باستخدام رادارات خاصة بالتربة الرملية تتغلغل في باطن الأرض.
« ناس ا » قبل ذلك ، وبالتحديد عام ١٩٨٤ قد طلب من عالمين في وكالة الفضاء الأمريكية « كلاب » وكان
« تشالينجر » مسح منطقة شبه الجزيرة العربية بواسطة رادار التصوير الفضائي المركب على مكوك الفضاء
لاندسات » الفرنسي ، و «Spot سبوت » وبعد مقارنة صور المكوك مع صور أرسلها القمران الصناعيان
صفحة ٦ من ١١ عودة جزيرة العرب مرو  جا وأنها  را
أصبح بين يدي البعثة خريطة فريدة لمنطقة الربع الخالي ، توضح طرق القوافل القديمة وخزانات ،«Landsat
المياه الجوفية ومجاري الأنهار القديمة والوديان ، وكلها مناطق كان من الصعب جدا رؤيتها بالعين المجرد ة، إلا
أنها ظهرت واضحة جلية بفضل تكنولوجيا التصوير الفضائي.
وقد أظهرت هذه الخريطة وجود طريق للقوافل مدفونة تحت الكثبان الرملية التي يصل ارتفاعها إلى ١٨٣ م،
وبالاستعانة بهذه المعلومات قررت البعثة الحفر قرب نقطة تقاطع طريق القوافل مع مكمن مائي قديم كشفت
عنه الصور الفضائية ، وهنا كانت الاكتشافات المدهشة .. قلعة محصنة مثمنة الأضلاع ، ذات أبراج وجدران
شاهقة يصل ارتفاعها إلى ١٠ أمتار، وتضم عددا من غرف التخزين وأماكن السكن .. وظهرت المدينة
.« أوبار » الأسطورية
وتبعد ٢٨٠ كم إلى الشمال من « الفاو » التي تقع على ضفاف وادي « قرية » وهناك أيضا الكشف عن آثار مدينة
وتشرف على الحافة الشمالية الغربية للربع الخالي ، وتقع على الطريق التجاري الذي يربط بين « نجران » مدينة
حضارات » جنوب الجزيرة العربية وشماله ا، حيث كانت القوافل تبدأ من سبأ ومعين مارة بقرية (محمد الأسعد
.(( مجلة آفاق علمية، عدد ( ٣٤ « قبل الإسلام
وقد بدأ التنقيب عنها عام ١٩٧٢ حيث تولت المهمة جمعية التاريخ والآثار في جامعة الرياض ، وأصدرت
الجامعة أحد عشر مجلدا عن نتائج التنقيبات ، تناولت المعادن والأواني الفخارية والحجرية والمباخر والزجاج
إلى القرن الثاني الميلادي. « قرية » والحلي والفخار والعمارة والمسكوكات والكتابات والنقوش، والتي ترجع
وهكذا تؤكد كل الشواهد والبراهين العلمية والتاريخية أن الحقائق الواردة في حديث النبي صلى الله عليه
وسلم صحيحة ثابتة ، قالها صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنا من الزمان ، ولم يكن ثمة أجهزة
تنقيب أو تصوير فضائي.. وإنما كان هناك الوحي.. {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي}.
النبوءة العلمية: عودة الأنهار إلى شبه الجزيرة العربية
يتضمن هذا الحديث النبوي الشريف إلى جانب الحقيقة العلمية المبهرة والمعجز ة، والتي أثبتها البحث العلمي
الحديث، والمتعلقة بمناخ شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين يتضمن أيضا نبوءة علمية عجيبة وغريبة
أخرى، ألا وهي : عودة الصورة الاصلية القديمة لشبه الجزيرة العربية .. أمطار غزير ة، وأنهار جارية ، ومراع
ومساحات خضراء وارفة!!
"لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا"
ويعتقد البعض أن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم قد تحقق الآن في شبه الجزيرة العربية ، نتيجة
لاكتشاف مياه جوفيه بكميات كبيرة تدفق منها العديد من الآبار والعيون الجارية (يميز الباحثون بين نوعين من
المياه الجوفية : مياه سطحية بالطبقات العليا التي لا يزيد عمقها عن بضع عشرات من الأمتار تحت الأرض ،
وهي حصيلة الأمطار والسيول الراهنة ، وأخرى بالطبقات العميقة على بعد مئات الأمتار أسفل السطح ، وهي
مدخرة من عصور جيولوجية ماضية .. وفي شبه الجزيرة العربية توجد خزانات جوفية عميقة (أي أنها مدخرة
تحت مساحات شاسعة من أرض الصحراء تقدر بنصف المساحة « من العصور المطيرة في الماضي البعيد
الكلية، ففي بعض مناطق تبوك أنزلت آبار ناجحة على عمق ٨٠٠ م، وفي القصيم تحفر الآبار ألف متر ، وفي
الجوف وسكاكا بشمال السعودية فجرت مياه الخزان الجوفي العميق منذ سنوات حيث أنزلت الآبار نحو ٨٥٠ م
تحت السطح ، فاندفعت المياه ساخنة بضعة أمتار إلى أعلى .. (بتصرف من : جغرافية الصحارى العربية ، ص
١٩٣ )) ، مما مكن وباستخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة من استصلاح مساحات .١٩٢ .١٨٥
شاسعة من الأراضي الصحراوية وزراعتها.
صفحة ٧ من ١١ عودة جزيرة العرب مرو  جا وأنها  را
مروجا » ولم يقل « مروجا وأنهار ا » : وهذا مخالف لظاهر كلام النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال
ومعروف أن الأنهار تتكون أساسا من سقوط الأمطار الغزيرة، وهذا ما لم يحدث حتى الآن. « وعيونا
والظن الغالب ، والتفسير الأقرب إلى المفهوم من كلامه صلى الله عليه وسلم أن هذا سيحدث كنتيجة
لتغير شامل في مناخ الكرة الأرضية ، ينتج عنه تحرك نطق المطر بحيث تدخل صحراء شبه الجزيرة العربية
فيها، مما يؤدي إلى جريان الأنهار في أوديتها الجافة ، وهذا يعني كما سبق أن ذكرنا دخول الأرض في
عصر جليدي جديد!!
مناخ الأرض المتغير
والواقع أن صورة المناخ الثابت للأرض صورة غير حقيقية ، فخلال آلاف السنين وهي تعد لحظات بالنسبة
للتاريخ الجيولوجي تحدث تغيرات هائلة في مناخ الأرض ، حيث يسودها مناخ بارد وتحتل المسطحات
الجليدية الهائلة مساحات شاسعة منه ا، ثم تبدأ درجات الحرارة في الارتفاع مرة أخرى ، وينحسر الجليد ،
وتحدث فترة دفء.. وهكذا.
فيما يلي : « أوستن مي لر » وهناك العديد من الأدلة على حدوث مثل هذه الذبذبات المناخية لخصها الأستاذ
( ( الجغرافيا التاريخية الطبيعية، ص ١٣٤ ١٣٥
١- المعلومات الخاصة بالأمطار وغيرها من الظواهر المناخية الأخرى ، والتي سجلها الكتاب ال قدماء ، مثل
سجل الظواهر الجوية الذي دونه بالإسكندرية بطليموس في القرن الثاني الميلادي.
٢- المعلومات الخاصة بالفيضانات وفترات الجفاف.
٣- المعلومات الخاصة بمواعيد بذر الحبوب وضمه ا، ومثال ذلك أنه توجد في بعض جهات أوروبا سجلات
مدون فيها مواعيد  جْني الكروم منذ سنة ١٤٠٠ م.
(في أعلى) التغيرات الفلكية، (في
اليسار) تأثير التغيرات في شدة الإشعاع
الشمسي خلال فصل الصيف، (في
اليمين) حجم المسطحات الجليدية
الأرضية.
صفحة ٨ من ١١ عودة جزيرة العرب مرو  جا وأنها  را
٤- البيانات الخاصة بمواعيد تجمد المواني ، فمثلا توجد بالدانمارك سجلات مدون فيها مواعيد تجمد المياه عند
سواحلها في فصل الشتاء منذ سنة ١٣٥٠ م.
٥- اختلاف المسافات بين الحلقات السنوية لنمو الأشجار المعمرة (الحلقات التي تظهر في مقطع الشجر ة) وقد
عُمِّر بعض هذه الأشجار أكثر من ٣٠٠٠ سنة.
٦- وجود الغابات المتحجرة في جهات لا تكفي أمطارها في الوقت الحالي لنمو الغابات ، وكذلك وجود كتل
الأخشاب المتفحمة في جهات شديدة الجفاف في الوقت الحاضر.
٧- وجود آثار مراكز عمران قديمة في جهات لا تساعد ظروفها المناخية الحالية على العمران ، مثل أن قاض
بالصحراء السورية ، والتي يقدر عدد سكانها في القديم بناء على هذه الأنقاض بأكثر من « تدمر » مدينة
مائة ألف نسمة.
٨- وجود آثار تدل على الزراعة في مناطق لا يسمح مناخها الحالي بالزراعة.
٩- امتداد بعض الطرق حول بحيرات جافة حالي ا، وكذلك قيام كباري ومعابر على مجاري مائية ليس بها ماء
في الوقت الحاضر.
وغيرها من الأدلة الكثيرة التي تثبت هذه الحقيقة.
أن ظهور الإنسان الأول كان معاصرا لتغيرات مهمة في المناخ ، نتج عنها ظهور الفترات » ومن الثابت أيضا
المرجع السابق ، ص : ١٣٦ ) وهي آخر الفترات الجليدية ، ) « الجليدية في عصر البليستوسين الجيولوجي
ونعيش الآن فترة الدفء التي أعقبتها.
النظرية الفلكية للعصور الجليدية
وقد شغلت ظاهرة دخول الأرض في عصور جليدية أذهان العلماء ، وأخذوا يبحثون عن الأسباب التي تسببه ا،
ووضعوا لذلك العديد من النظريات والافتراضات ، ومن أشهرها الآن نظرية الفلكي اليوغسلافي
ترجع النظرية ) ؟« ميلانكوفيتش » التي طرحها في بدايات القرن الميلادي الماضي .. فماذا قال « ميلانكوفيتش »
الفلكية للعصور الجليدية إلى القرن التاسع عشر ، وإلى أعمال الفلكي الاسكتلندي جيمس كرول الذي ولد عام
١٨٢١ ونشر آراءه في ثمانينيات القرن التاسع عشر ، ولم تلق قبولا آنذاك ، ثم أعاد ميلانكوفيتش طرحها بعد
.( أن أدخل عليها تعديلات عام ١٩٤١
صفحة ٩ من ١١ عودة جزيرة العرب مرو  جا وأنها  را
لقد أرجع سبب الانقلابات المناخية على سطح الأرض إلى التغيرات التي تطرأ على ثلاثة مقادير متعلقة
بهندسة مدار الأرض حول الشمس.
فالأرض تدور حول الشمس في مدار شبه دائري ، ولكنه لا يثبت هكذ ا، بل يتغير فيمتد قليلا ليصبح إهليجيَّ ا،
ثم يعود إلى وضعه شبه الدائري في دورة مدتها ١٠٠ ألف سنة ، وعندما يكون المدار دائريا فإن الأرض تتلقى
كمية مماثلة من حرارة الشمس في كل يوم من أيام السنة ، أما عندما يكون المدار إهليجيا فإن كوكبنا يكون في
بعض أيام السنة أقرب إلى الشمس ويتلقى مزيدا من الحرارة منه في أيام السنة الأخرى ، ولكن مجموع كمية
الحرارة التي يتلقاها الكوكب بأسره خلال سنة كاملة يبقى ثابتا دوم ا.. هذا هو التغير الأول في نظرية
.« ميلانكوفيتش »
أما التغير الثاني فهو في محور دوران الأرض .. فالأرض تدور حول محوره ا، وهذا المحور يكون مائلا
على مستوى دورانها حول الشمس ، بمعنى أنه إذا رسم محور متعامد على مستوى دوران الأرض حول
الشمس (وهو ما يعرف بدائرة الكسوف ) فإن محور دورانها يميل على هذا المحور العمودي بزاوية تتغير من ٢١,٨ إلى ٢٤,٥ في دورة مدتها ٤١ ألف سنة.. وهذه الزاوية الآن ٢٣,٤ وهي آخذة في التناقص.
والتغير الثالث في هندسة مدار الأرض يتعلق أيضا بمحور دورانه ا، فهذا المحور الوهمي يرسم في السماء
ويكمل المحور دورته هذه في دورة مدتها ٢٣ ألف سنة. «Precession» دائرة وهو ما يعرف بالترنح
هذه هي التغيرات التي تطرأ على هندسة مدار الأرض حول الشمس والتي يسببها تفلطح الأرض وعدم كمال
التي « النحلة » استدارتها، وجاذبية القمر والكواكب له ا، مما يجعلها تترنح في دورانها حول الشمس كما تترنح
يلعب بها الصبية، وهذا بدوره يؤثر على كمية الإشعاع الشمسي الواصلة إلى الأرض خلال أيام السنة.
أن تختبر النظرية الفلكية للعصور الجليدية ، فلم يكن ثمة من يعرف « ميلانكوفيتش » كان من المستحيل أيام
التواريخ المضبوطة لنمو وانحسار الجليد خلال الآلاف الماضية من السنين ، وهكذا ظلت هذه النظر ية غير
مثبتة وليس لها من المتحمسين إلا القليل ، إلى أن تطورت التقنيات الحديثة لتعقب حرارة الأرض على مر آلاف
الأعوام عبر العصور ، تم هذا في السبعينيات بدراسات على بقايا الأصداف الجيرية والقواقع والحيوانات الأولية
.( ترجمة د. أحمد مستجير، ص: ٦٢ ٦٣ « ظاهرة الصوبة » المترسبة في أعماق البحار(جون جريبين
وتستخرج الرواسب من قاع البحر في صورة أعمدة طويلة يستخرجها مثقاب من سفن الاستكشاف الجيولوجي ،
لكن عمر الرواسب عند أي عمق لا يمكن استقراؤه مباشرة من العمود ، وإنما يقدر بمقارنة المغناطيسية (يتغير
المجال المغناطيسي للأرض تغيرا واسعا مع الزمن الجيولوجي ، فيضعف ويشتد ، وأحيانا ينعكس تمام ا، وهذه
التغيرات خاصة الانعكاس تمثل بصمة مميزة للعصر الجيولوجي ، فمن الممكن أن نقارن أي قطعة من
الرواسب لها مغنطيسية معينة بنظيرتها من صخور اليابسة ، ليحدد عمرها بدقة بالغة . (ظاهرة الصوبة ، ص:
٦٣ بتصرف() المحبوسة بها بمغناطيسية صخور من البر حسب عمرها بالفعل بطرق أخرى ( ٢٤ )، وهذا يحل
نصف المشكلة ، وهي تحديد عمر الرواسب ، ويبقى النصف الآخر ، وهو تحديد درجة الحرارة في هذا الزمن
الذي ترسبت فيه.
هناك نوعان شائعان من ذرات الأكجسين (نظيران) هما أكسوجين ( ١٦ ) وأكسوجين ( ١٨ ) وكلاهما موجود في
الهواء الذي نتنفسه ، وكذا في ماء البحر ، ولما كان الأكسوجين ( ١٨ ) أثقل من الأكسوجين ( ١٦ ) فإن البعض
من جزئيات ماء البحر سيكون أثقل من البعض الآخر ، وجزئيات الماء الأثقل تتجمد أسرع من جزيئات الماء
الأخف، وهذا يعني أن نسبة أكبر من الجزيئات الأثقل ستحبس في الثلج عند حلول العصر الجليدي ، ولما كانت
الكائنات البحرية تأخذ الأكسوجين من بيئتها لبناء أصدافه ا، فإن الأصداف التي تتكون في العصر الجليدي
ستحتوي على قدر أعلى نسبيا من نظير الأكسوجين الأخف ، الذي لم يحبس داخل الطبقات الجليدية الضخمة ..
صفحة ١٠ من ١١ عودة جزيرة العرب مرو  جا وأنها  را
وبقياس نسبة نظيري الأكسوجين في بقايا القواقع والأصداف الموجودة في الطبقات المختلفة من الرواسب أمكن
.( الاستدلال على درجة الحرارة عند ترسيبها (المرجع السابق، ص: ٦٤
تستمر « بين جليدية » لقد وجد أن طول العصر الجليدي نحو مائة ألف عام ، تأتي بعده فترة دفء تسمى مرحلة
لمدة عشرة إلى عشرين ألف عام ، ولقد تكرر هذا النمط عشر مرات خلال المليون سنة الأخير ة، ونحن نعيش
الآن قرب نهاية مرحلة دفء طبيعي ، فترة بين جليدية بدأت منذ ما يقرب من عشرة آلاف عام (المرجع
السابق، ص: ٥٨ ).. أي أن الأرض تقترب من بداية عصر جليدي جديد .. وتتحقق نبوءة النبي صلى الله
عليه وسلم.
عودة البحيرات إلى صحراء شبه الجزيرة العربية ، فقد لاحظ في تموز (يوليو ) ١٩٧٧ « هال ماكلور » ويتوقع
سقوط أمطار شبه موسمية على امتداد ثلاثة أسابيع في شمال الربع الخالي ، ولم ينتج عن ذلك تشكل بحيرات
إذا تكرر هذا الأمر وبقوة كافية لتكوين بحيرات فقد يكون ذلك مؤشرا على » جديدة، ولكن على حد قوله
( عودة الأمطار الموسمية إلى الربع الخالي ومعها انقلاب في المناخ(آفاق علمية، عدد ( ٢٤ )، ص: ١٥
صفحة ١١ من ١١ عودة جزيرة العرب مرو  جا وأنها  را

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق