فقال: تمنوا قال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهبا فأنفقها في سبيل الله .
قال : تمنوا . قال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت جوهرا أو نحوه فأنفقه في سبيل الله. فقال عمر تمنوا: فقالوا : ما تمنينا بعد هذا .
كل هذه الأماني فيها خير ، لأنهم تمنوا المال من أجل إنفاقه في سبيل الله ، ولكن ماذا تمنى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)؟
قال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجال مثل أبي عبيدة بن الجراح .
وقدأعجبتني كثيراً صفات عشرة لبناء الشخصية المسلمة تلك الصفات التي صاغها العالم الرباني الإمام حسن البنا مستنتجاً إياها من كتاب الله وسنة رسوله وحاجة المسلم في الواقع المعاصر والمستقبل المنشود. وهذه العشر هي :
وهذا التوفيق في أن يجمع هذه العشر بهذه الصياغة والتناغم بينها يبين لنا صدق تسميته بالملهم الموهوب وقد ذكرني يوم أن طلب منه أبوه الشيخ عبد الرحمن البنا مؤلف كتاب (الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ) حين طلب منه تأليف الكتب قال أنا مشغول بتأليف الرجال!!!.
ونبدأ إن شاء الله في تفصيلها والتعليق عليها :
ومراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق :
إصلاح نفسه حتى يكون : قوى الجسم ، متين الخُلُق ، مثقف الفكر ، قادرا علي الكسب ، سليم العقيدة ، صحيح العبادة ، مجاهدا لنفسه ، حريصًا علي وقته ، منظما في شئونه ، نافعا لغيره . وذلك واجب كل أخ علي حدته .
يقول الأستاذ محمد حسين في شرح رسالة (قوي الجسم ):فحدّد أهداف العمل الإسلامي لاستعادة الإسلام المُغَيَّب عن بلاد المسلمين وبدأ بالعمل علي استعادة الفرد المسلم بأوصاف القّوة الواجب اتصاف المسلم بها وهي عشرة أوصاف ، وبدأ بصفة قوة الجسم .
وهناك ملاحظات علي هذا الترتيب :
أولها : أنها صفات للفرد ، صفات قوّة مفقودة في تربية المسلم تحتاج إلي الاهتمام باكتسابها لكل مسلم علي حدة .
ثانيها : أنها مرتبة حسب فقدانها في واقع المجتمع المسلم ، وبحسب القاعدة التربوية من أن أوّل المفقود هو أول المطلوب تحقيقه ، فأول ما فقد في واقع المسلمين هو الفرد المسلم الذي به يُستعاد الإسلام ونُحْمَي به الزمار والديار ، وأول ما فقد في الفرد المسلم همته وقوة إرادته وعظم نشاطه وحَيويَّة استعداداته واستثمار طاقاته المكنونة في طيّ معطياته كبشر وذلك كله مكنوز ومركوز في الجسم السليم الصالح بمهام العبودية لله تعالي .
ثالثها : أن قوة الجسم صفة من صفات المسلم يداوم علي اكتسابها والحفاظ عليها وتعبيدها لمولاهُ الذي خلقه وأفاض عليه نعمة الإيجاد والخلق . فجسم العبد صوَّرها الخالق سبحانه إذْ يقول : ( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) ، ( وصوركم فأحسن صوركم ) وهي نعمة تحتاج إلي الإمْداد بعد الإيجاد ، وتحتاج من العبد أن يشكر ربه عليها ويدعو بدوامها عليه [ اللهم حسَّن خُلُقي كما أحسنت خَلْقي ]
رابعا الملاحظات : أنه بدأ بقوة الجسم الذي هو الظرف والهيكل الذي يحتفظ بسائر القوى الروحية والعقلية وغيرها ، فبضعفه تضعف سائر القوى ، وبقوته تنمو سائر القوى المطلوبة ، فهو كالأساس للبنيان لابد من البدء به قبل غيره .
خامسها : أن الله تعالي طلب من الأمة المجاهدة أن تستَعدَّ وأن تعدَّ كل ما استطاعت من القوى حيث قال جل شأنه ( وأعُّدوا لهم ما استطعتم من قوة ) وقد أخرج مسلم وغيره عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول وهو علي المنبر ( وأعدَّوا لهم ما استطعتم من قوة ) ألا أن القوّة الَّرمْيُ .] وقوة الرمي هو التدريب علي تصْويب السهام للعدد وإيصالها ، وهذا يحتاج لقوة الجسم والتدريب والتربية البدنية ، وحتى الحروب العسكرية الحديثة تحتاج إلي فنون الرمي بالقذائف والصواريخ وسائر الأسلحة .
وأخيرًا : فصفات الفرد المسلم كلها أوصاف قوة واقتداء وامتلاك للقوى : فأولها قوة الجسم
ثم قوة الروح والنفس – متين الخلق –
ثم قوة العقل والعلم – مثقف الفكر –
ثم قوة الاكتساب للمال والسلطان والجاه – قادر علي الكسب –
ثم توجيه كل هذه القوى حسب عقيدة التوحيد – سليم العقيدة –
ثم تفعيل القُوى لإصلاح الحياة – صحيح العبادة ،
ثم الثبات والاستقامة علي بذل المجهود في إيجاد المطلوب – مجاهد لنفسه –
ثم الحرص الشديد علي الوقت بلا تضييع أو تكاسل في واجباته – حريص علي وقته –
ولأن الأعمال والواجبات أكثر من الأوقات فلابد من اكتساب صفة التنظيم والترتيب للتغلب فقد الأوقات أوْ فوات الواجبات – منظم في شئونه –
ثم إن المسلم يستثمر كل قواه في طاعة مولاه بمراعاة خلق الله فيجب أن يكون – نافع لغيره – )اهـ كلامه حفظه الله
وقد طرح على أحد الإخوة الكرام سؤالا عن سبب ابتدائي لشرحها بترتيب مخالف لترتيب الإمام البنا
والجواب :أن الأمر كما قال الأستاذ محمد حسين (أنها مرتبة حسب فقدانها في واقع المجتمع المسلم ، وبحسب القاعدة التربوية من أن أوّل المفقود هو أول المطلوب تحقيقه ...)
إذن فلعل هذا الترتيب كان مناسبا – في وجهة نظري- لزمن الإمام البنا لكن في زماننا رأيت أن أول صفة ينبغي الاتصاف بها أولا سلامة العقيدة وهو ما ابتدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الكرام حتى رأيناهم أثبت ما يكونوا عند المحن والمصائب فهذا الثبات الذي رأيناه في بلال وعمار وأهله وغيرهم ما جاء إلا لثمرة التربية النبوية على منهج سلامة العقيدة وأول من لفت النظر لهذه المسألة-فيما أعلم - هو الدكتور الصلابي في السيرة النبوية تحت عنوان
البناء العقدي في العهد المكي
ثم أتبعها بفصل آخر بعنوان
البناء التعبدي والأخلاقي في العهد المكي
فرأيت أن أبدأالصفات بسليم العقيدة،من هذه الوجهة ومن جهة أخرى تذكرت مقالة للشهيد سيد قطب قال فيها (التوحيد ينتقل معه إلى غيره لا منه إلى غيره )فأردت إبراز هذا المعنى
وسلامة العقيدة يتبعها صحة العبادة
ثم قوة الإرادة والقدرة على التغير للأحسن (مجاهدا لنفسه )
ثم إحاطته بما يدور حوله من خلال (مثقف الفكر )
ثم سلامته من الآفات والأمراض بحرصه على صحته وتقويته لجسمه من خلال (قوي الجسم )ثم أثر ذلك في معاملته مع غيره فهو (مَتِينُ الخُلُق)
ثم في حركته في الحياة وسر نجاحه ( منظما في شئونه، حريصا على وقته)ثم في عفته وغناه عن سؤال الناس (قادرا على الكسب)ثم في إيجابيته في مجتمعه فهو لايسعى لنفسه دائما وإنما هو (نافع لغيره )
فالمسألةهي رؤية للصفات حسب أولويتها وربما بعض الإخوة له وجهة نظر أخرى
والله الموفق
وأنه هو تعالى واحد في ربوبيته، فهو رب السموات والأرض ومن فيهن وما فيهن، خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، ولا يستطيع أحد من خلقه أن يدعي أنه الخالق أو الرازق أو المدبر لذرة في السماء أو في الأرض (وما ينبغي لهم وما يستطيعون) (الشعراء: 211).
وهو تعالى واحد في ألوهيته، فلا يستحق العبادة إلا هو، ولا يجوز التوجه بخوف أو رجاء إلا إليه. فلا خشية إلا منه، ولا ذل إلا إليه، ولا طمع إلا في رحمته، ولا اعتماد إلا عليه ولا انقياد إلا لحكمه. والبشر جميعاً -سواء أكانوا أنبياء وصديقين أم ملوكاً وسلاطين- عباد الله، لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، فمن ألَّه واحداً منهم، أو خشع له وحنى رأسه، فت جاوز به قدره؛ ونزل بقدر نفسه.
ولابد مع الإيمان بوجود الله ووحدانيته من الإيمان بأنه تعالى متصف بكل كمال يليق بذاته الكريمة، منزه عن كل نقص: (لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد) (الإخلاص: 3، 4) (ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير) (الشورى: 11).
دل على ذلك: هذا الكون البديع وما فيه من إحكام عجيب، وهدت إلى ذلك الفطرة البشرة النيرة، وفصلت ذلك رسالات الله تعالى إلى أنبيائه.
فهو سبحانه العليم الذي لا يخفى عليه شيء: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا ورطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) (الأنعام: 59).
وهو العزيز الفعال لما يريد، الذي لا يغلبه شيء، ولا يقهر إرادته شيء (قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير) (آل عمران: 26).
وهو القدير الذي لا يعجزه شيء. يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، ويحيي العظام وهي رميم، ويعيد الخلق كما بدأهم أول مرة وهو أهون عليه: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير) (الملك: 1).
وهو الحكيم الذي لا يخلق شيئاً عبثاً، ولا يترك شيئاً سدىً، ولا يفعل فعلاً، أو يشرع شرعاً إلا لحكم، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها. وهذا ما شهد به الملائكة هذا الملأ الأعلى: (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم) (البقرة: 32).
وما شهد به أنبياء الله وأولياؤه، وأولوا الألباب من عباده: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً، سبحانك) (آل عمران: 191).
وقد ورد من سنة رسول الله وصحابته الكرام ما يبين لنا حرصهم الشديد على سلامة العقيدة وصيانتها من أي شائبة
ومن ذلك أيضا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: ما شاء الله وشاء محمد، للشخص.. حسماً لمادة الشرك وسداً لذريعة التشريك في المعنى، وقال لمن قال له: ما شاء الله وشئت قال: (أجعلتني لله نداً؟)
وكذلك نهينا عن الصلاة في المقبرة؛ لأنها ذريعة إلى تقديس الموتى وتعظيمهم، وكذلك لا يجوز الذهاب إلى العرافين والكهان ولو كان الإنسان غير معتقد أنهم يعلمون الغيب، لا يجوز إلا إذا كان للإنكار عليهم أو لإفحامهم وإقامة الحجة،
وكذلك لماذا نهينا عن سب الدهر؟ لأنه يؤدي إلى سب الله عز وجل الذي خلق الدهر، الدهر ليس له تصرف، لا يضر ولا ينفع، الله الذي خلقه، يقلب الأيام والليالي سبحانه وتعالى.
ولماذا نهي السيد أن يقول: عبدي وأمتي، وإنما يقول: فتاي وفتاتي وغلامي؟
ونهينا عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها حتى لا يكون ذريعة إلى مشاركة المشركين الذين يعبدون الشمس في ذلك الوقت، حتى في الأمور المتعلقة بالتطير وهذا له اتصال وثيق بالتوحيد،
فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز الشمس ، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب ، ولا تَحَيُّنوا بصلاتكم طلوع الشمس ، ولا غروبها ، فإنّها تطلع بين قرني شيطان )
والمعنى أن طوائف المشركين كانوا يعبدون الشمس ، ويسجدون لها عند طلوعها ، وعند غروبها ، فعند ذلك ينتصب الشيطان في الجهة التي تكون فيها الشمس ، حتى تكون عبادتهم له .
وقد جاء هذا مصرحاً به في صحيح مسلم ، فقد سأل عمرو بن عبسة السلمي الرسول عن الصلاة . فقال صلى الله عليه وسلم : ( صل صلاة الصبح ، ثم أقصر الصلاة حتى تطلع الشمس ، حتى ترتفع ، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار ، ثمّ صلَّ ، فإن الصلاة مشهودة محضورة ) .
ثم نهاه عن الصلاة بعد العصر ( حتى تغرب الشمس ، فإنها تغرب بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار ) .
وقد نهينا عن الصلاة في هذين الوقتين ، والصحيح أن الصلاة في هذين الوقتين جائزة ، إذا كان لها سبب كتحية المسجد ، ولا تجوز بلا سبب كالنفل المطلق ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تَحَيّنوا ) ؛ أي لا تقصدوا .
وهذا كما نقلوا عن عمر أنه بلغه: أن أقوامًا يزورون الشجرة التى بويع تحتها بيعة الرضوان، ويصلون هناك، فأمر بقطع الشجرة. وقد ثبت عنه أنه كان في سفر، فرأى قومًا ينتابون بقعة يصلون فيها، فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ومكان صلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هلك بنو إسرائيل بهذا. من أدركته فيه الصلاة فليصل وإلا فليمض..
وهكذا يكون حرص المسلم على سلامة عقيدته من أي شائبة تشوبها في اللفظ أو الفعل أو في الاعتقاد لأن المسلم سليم الاعتقاد لا يذل نفسه إلا لله ولا يخاف ولا يرجو إلا الله .