الأحد، فبراير 26، 2012

كيف غيرتني دعوة الإخوان؟ - الأستاذ صالح عشماوي

غرباء في هذه الدنيا، تعساء في هذه الحياة، أولئك الذين يعيشون بغير غايةٍ وبدون أمل، ومن الناس من يعيش ليأكل ولا يأكل ليعيش؛ وذلك همه في الدنيا وغايته منها أولئك كالأنعام بل هم أضل سبيلاً، ومن الناس مَن يظن أن السعادة في دنيا وضيئة يلهو بها ويعبث، أو في الذهب والفضة يجمع منهما أقصى ما يستطيع، كلما أصاب جانبًا امتدت به الآمال إلى المزيد، أو في شهوةٍ كاذبةٍ أو منصبٍ كبير، حتى إذا بلغ به أحدهما أو كلاهما لم يجده شيئًا ولم يحقق له ما كان يرجوه، وهكذا يجعل من هذا كله أو بعضه هدفه الذي يرنو إليه وأمله الذي ينشده وغايته التي يسعى إليها حتى يدركه الموت وهو غير قانعٍ ولا راضٍ، أولئك الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.

وأعود الآن بذاكرتي إلى يوم تخرجت في كلية التجارة شابًّا واسع الآمال بعيد الغايات، وقد كنت أول دفعتي على رأس زملائي، أحب الدنيا وأحرص على الحياة، أكاد لا أذكر الموت أو أتخيل الفناء، وما كانت الدنيا عندي إلا لهوًا ومتاعًا وتفاخرًا وزينة، المال والمال الوفير من أسهل الطرق، وأقرب سبيل هو غايتي، واللذة والجمال والمتعة هي أمنيتي، والشهرة الواسعة والصيت البعيد هما سعادتي، والجاه والمنصب والنفوذ هي آمالي وضالتي.

وما زلت أذكر كيف وقفتُ يومًا حائرًا أبحث عن وسيلتي إلى هذا كله، وهل هي في البعثة أم في الوظيفة أم في التجارة؟ وأي السبل أسرع لي وأقرب إلى تحقيق آمالي؟ وأي الغايات أولى بالتقديم وأكفل بسد أطماعي؟ أهي في جمع المال عن طريق التجارة؟ أم في الجاه عن طريق الوظيفة؟ أم في الشهرة عن طريق البعثة؟ ولكني كنت مضللاً.

ما كان أبعدني عن الحقيقة وأقصاني عن الرشد والصواب! ولم أعرف غلطتي ولم أكتشف ضلالي إلا بعد أن اتصلت بالإخوان المسلمين، وفهمت دعوتهم وتشرَّبت نفسي عقيدتهم.

وقد كنتُ من قبل أنتمي إلى حزبٍ من الأحزاب حتى إذا ما بدا لي طغيانه تحولت إلى الحزب المعارض، ولكني في هذه الفترة التي تلونت فيها بلونٍ حزبي لم أشعر بتغير في عاداتي وآمالي، ولم تصلح الحزبية يومًا ما من نفسي شيئًا، ولم تكسر من حدة آمالي فتيلاً، بل لعل في أحضانها ما يدفع على التملق والرياء، وما يجعل الشاب يتطلع إلى المناصب الزائلة والشهرة الكاذبة مكافأة للمحاسيب والأنصار.

وفي ساعةٍ تفتحت فيها أبواب السماء أراد الله أن يمنَّ على عبدٍ من عباده فهداه إلى الإيمان، فكان أن التقيت بفضيلة حسن البنا المرشد العام للإخوان، واستمعت إليه وتتلمذت على يديه، وعندئذٍ شعرتُ بأني خُلقت خلقًا جديدًا، ودخلتُ في حياةٍ جديدة، أو على الأصح سموت إلى عالم آخر أطل منه على دنيا الشهوات، وعالم الماديات فأتألم وأتحسر وأدعو بالهداية للناس جميعًا.

ليس الإخوان المسلمون حزبًا من الأحزاب ولا جمعيةً من الجمعيات، وليس عجيبًا على دعوتهم أن تقلب الآمال، وتعكس الأوضاع، وإني أشعر أن كل شيء قد تغيَّر؛ نفسيتي وعقليتي آمالي وأحلامي وسيلتي وغايتي.

لقد عرفت الإسلام عبادةً وقيادةً، مصحفًا وسيفًا، صلاةً وجهادًا، وعرفتُ غايتي كما حددها الإسلام وذكرها القرآن في قول الحق تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)) (الحج).

لم تعد باريس الفاجرة أمنيتي ولم أعد أراها جنة الله في أرضه، ونعمة المولى على عبده، بل أصبحت أتخيلها جحيمًا وقودها الناس والحجارة، يكاد لهيبها يخترق السماء، ولم يبق المال غايتي، بل أصبحت أتهيبه وأخشى فتنته وعقباه، وإن طلبناه فإنما كوسيلةٍ للجهاد والإحسان، ولم تعد التجارة طلبتي، بل استبدلتُ بها تجارةً لن تبور، تجارةً تنجيني من عذاب أليم هي إيمان بالله ورسوله وجهاد في سبيله بالنفس والمال، ولم تمس الوظيفة مطلبي، بل أصبحت تسعى إلينا فنفر منها، ولم تعد الشهرة أملي في الحياة، بل أصبحت أخشى الشرك في الله ولو كان خفيًّا، وأخذت أروض نفسي على إنكار الذات والفناء في الله، مذكرًا إياها بقول الحق تبارك وتعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)) (الكهف)، فقد نزلتُ لله عن المال، وفي المال زينة ومتاع، وعن الجمال، وفي الجمال فتنة وإغراء، وعن الشباب، وفي الشباب فتوة وآمال، وعن النفس، والنفس أثمن ما في الحياة، فقد احتقرت الدنيا وما فيها، وبعتُ لله نفسي ومالي، ورضيتُ بالجنة ثمنًا، ومَن أوفى بعهده من الله؟
والآن أقف قليلاً لأستعرض الماضي بخيره وظلماته، وأقارن بينه وبين الحاضر بنوره واستقراره فتفيض عيناي شكرًا لله، ألم يجدني ضالاً فهداني ووجدني حائرًا فأرشدني واجتباني.

وأخلو إلى نفسي وأسألها عن غايتها فأراها كعهدي بها منذ عرفت الإخوان حافظةً للعهد، راسخة الإيمان، اتخذتُ من الله غايتها، وأسألها عن آمالها فأجدها قد وجدت آمالها بعد أن حددت غايتها، فلم يبقَ لها إلا أمل واحد، وإنه كل أملي في الحياة، ولعلك تدهش يا سيدي القارئ إذا علمت أن هذا الأمل هو الموت في سبيل الله.

نعم هو في فناء ولكن في الحق، لعمري إنه لعين البقاء، ولست أدري هل قُدِّر لي أن أموت على فراشي كما يموت الجبناء، أم سيتم الله نعمته عليَّ فيلحقني بالشهداء.. ذلك علمه عند ربي، وما كنا للغيب حافظين. حسبي أن أدعو الله.

الأربعاء، فبراير 15، 2012

بيان حزب الحرية والعدالة أمانة السويس في ذكرى الإمام حسن البنا

جاء في البيان :" مر الرجل و هذا هو الآثر، إن عظمة البناء من روعة البنا وعمق الأثر من عبقرية المؤسس و استمرار العطاء من إخلاص صاحب الدعوة، كان ملهم موهوب شهد له الأعداء قبل الأحباب، كان مجددا مجمعا مؤمنا بأن خلاص الامة بوحدة صفها ورجوعها إلي كتاب ربها و صحيح عقيدتها، استفاد ممن سبقوه فأخذ منهم و أضاف و آمن بشمولية الدعوة فكان بحق رجل كل من جاء بعده قالوا مر الرجل و هذا هو الآثر، رحم الله الإمام..

اللهم لا شماتة

أراها آية ومعجزة لابد وأن يتوقف كل منا أمامها وألا نختزلها فى مشاعر التشفى ونشوة الانتقام والشماتة البغيضة، ولكن أن ننظر إلى قدرته سبحانه على كبح جماح الظالمين مهما بلغت قوتهم، وظنوا وظن الناس أن لن يقدر عليهم أحد، ولم يتعظوا بدول الظلم التى زالت قبلهم، لم يعوا أن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء دون أن يستطيع الظالم مهما بلغت قوته وظلمه أن يرد كيد الله وإرادته حين يحل عليه غضبه ويأتى يوم حسابه، لابد أن نعى هذا الدرس حتى لا نقع فيما وقع فيه مبارك حين غفل عن كل هذا، حتى حينما جاءته النصيحة التى لو أدركها ما كان وصل به الحال إلى هذه النهاية تلك النصيحة التى قالها له الإمام الجليل الشيخ الشعراوى وكأنه يحذره من هذه النهاية وهو فى أوج قوته وسطوته، حين عاد ناجيا من محاولة اغتياله فى أديس أبابا.
عدت لتلك الكلمة الرائعة التى قالها الشيخ الجليل وهو يقترب من الموت يحذر مبارك من عاقبة الظلم، ومن التمسك بالحكم والملك، قالها الشيخ الجليل بنور قلبه العامر بالإيمان فبدت وكأنه يتنبأ بما لم يره، بدأها الشيخ بقوله: "إنى يا سيادة الرئيس أقف على عتبة دنياى لأستقبل أجل الله، فلن أختم حياتى بنفاق ولن أبرز عنتريتى باجتراء، ولكن أقول كلمة موجزة للأمة كلها حكومة وحزبا ومعارضة وشعبا أسف أن يكون سلبى، أريد أن تعلموا أن الملك كله بيد الله يؤتيه من يشاء، فلا تآمر لأخذه، ولا كيد للوصول إليه، فإن الحق سبحانه حينما حكى حوار إبراهيم للنمرود قال له "ألم تر إلى الذى حاجَّ إبراهيم فى ربه أن آتاه الله الملك"، فالملك يؤتيه الله لمن يشاء وينزعه ممن يشاء، فلا تآمر على الله لملك، ولا كيد على الله لحكم، لأنه لن يحكم أحد فى ملك الله إلا بمراد الله، فإن كان عادلا نفع بعدله، وإن كان جائرا ظالما بشّـع الظلم وقبحه فى نفوس كل الناس فيكرهون كل ظالم ولو لم يكن حاكما"، ليكمل الشيخ الشعراوى كلمته قائلا: "لذلك أقول للقوم جميعا إننا والحمد لله قد تأكد لنا صدق الله فى كلامه بما جاء من الأحداث، فكيف كنا نفسر قول الله "ويمكرون ويمكر الله"، وكيف نفسر "إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا"، فالله يريد أن يثبت قيوميته على خلقه، وأنا أنصح كل من يجول برأسه أن يكون حاكما أنصحه بألا يطلب الحكم، بل أن يكون مطلوبا إليه، فرسول الله قال: "من طلب – بضم الطاء - إلى شىء أعين عليه ومن طلب شيئا – بفتح الطاء – وُكل إليه"، ثم نظر الشيخ للرئيس ووضع يده على كتفه قائلا: "يا سيادة الرئيس آخر ما أحب أن أقوله لك ولعل هذا يكون آخر لقائى أنا بك: "إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإن كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل".
هكذا قال الشيخ الشعراوى كلماته التى استوحاها من نور القرآن، وكأنه ينبه مبارك ويحذره من أن يتمسك بالحكم ويتحايل على ألا يتركه، يذكره بقدرة الله وبإرادته التى لا يمكن أن تغيرها إرادة البشر والطامعين فى الملك والحكم والسلطان، ولكن مبارك لم يعى الدرس والحكمة والموعظة، لذلك لم يعد قدرنا ولم نعد قدره، لم يوفقه الله فى الحكم ليختم حياته كما بدأها وكما كان يتمنى، ولم يعنه الله على أن يتحمل المسئولية كما ينبغى، فكانت هذه هى النهاية التى لم يكن يتخيل أن يصل إليها.
علينا جميعا أن نعى الدرس ونفهمه وأن يدرك كل منا عاقبة الظلم والفساد ومعصية الله وإهدار حقوق العباد، نتذكر أن الملك والقوة والسلطان لله الواحد القهار، ولا يمكن لبشر أن يتحدى إرادته، فها هو ملك مبارك وعائلته ونظامه يزول وينتهى، وها هو الرجل الذى كان بالأمس لا حدود لسطوته وسلطانه وقوته وجبروته حبيسا هو وأبناؤه وكل أركان نظامه لا حول له ولا قوة، لا مكان له إلا على سرير بمستشفى أو على أرض السجن يذوق هو وأبناؤه وزوجته بعضا من عذاب ذاقه قبله ملايين المظلومين فى حكمه، اليوم لا مجال للشماتة والتشفى، ولكن للتأمل والفهم وإدراك الدرس والحكمة.. رحم الله الشيخ الجليل الذى أدرك بنور قلبه ما لم تره عينه.. واللهم لا شماتة